بـائـــع الخـــــير
كان الوقت باكرا جدا عندما كان ذلك الشحاذ المعروف لقاطني تلك المنطقة يفترش فيها رصيفا يمثل كل ما يمتلكه من حطام هذه الدنيا كان عجوزا بائسا وذو شعر كث ولحية مشعث شعرها ملتحف بأغطية سميكة لعلها هي أيضا نتاج صدقة وعطف الغير عليه
كان اليوم معتادا إلى ان سار نحوه ذلك الرجل الذي هم بالعطف عليه ووقف مقابله وهو يضع يده في جيبه ليخرج صدقة لعلها تفرح قلب ذلك الشحاذ المسكين ولكن يا لخيبة الامل فقد تذكر الرجل انه كان قد غير سرواله قبل نزوله مباشرة تاركا كل النقود التي معه بالمنزل كان الموقف محرجا فبينما تبسم الشحاذ وهو يمد يده منتظرا الصدقة كانت يد الرجل لا تزل في جيبه وقد احمرت وجنتيه خجلا من الموقف،
أخيرا اخرج الرجل المتصدق يديه الفارغة وصافح بحرارة الشحاذ المنتظر والمتشوق للصدقة فما كان من الشحاذ الا انه ضم بيديه الاثنين يد الرجل المحرج كما صار وجه الشحاذ أكثر اشراقا وتبسما وسرعان ما لمح الرجل المتصدق دمعه ساخنة على وجنتين الشحاذ وبقي هكذا المشهد ذو الايدي المتشابكة لمدة ثوانً قبل ان يقول له الشحاذ انا احتاج إلى مثل ذلك العطاء أيضا فهو عندي أدفئ من كل كنوز الدنيا ومالها ربت الرجل المتصدق والمتأثر بالموقف على كتف الشحاذ معتذرا ومحرجا ولكنه كان بداخله سعيدا انه قد اسعد انسانا بمصافحته فقط وبدون حتى ان يدفع له شيئا.
عند هذه النقطة انتهت هذه الوقائع الحقيقية التي تلخص حالنا كله فكلا منا لديه بداخله ذلك الشحاذ الذي يفترش القلب وينتظر ان يهبه البعض كلمة طيبة او صدقة تأتيه عن طريق سؤال يشعره بالاهتمام والحب وانه كائن محبوب ومرغوبا فيه،
ففي الحقيقة كان ذلك الشحاذ يستعطي الحب لا النقود ويتسول الحنان قبل الطعام فلعله سكن ذلك الرصيف سنينا او شهورا ولعل الكثيرين قد اعطوه نقودا وأغطية وطعاما ولكن أحدا لم يعطيه الحب من قبل او لم يقرضه الحنان فلو كان الرجل المتصدق قد أعطى الشحاذ نقودا فقط ومضى لبقى ذلك الشحاذ متجمد الأطراف جائعا حتى الان، وقد صدق من قال ان الفقير جائع للحب لا للخبز.
فمع ما نعيشه اليوم من رفاهية وتكنولوجيا وتقدم الا اننا مازلنا نئن ولا زلنا نحتاج إلى الحب والرعاية والاهتمام من الاخرين ويبدو ان هذه الآلات العجيبة التي تحيط بنا من هواتف ذكية وغيرها لم ترفع عن كاهلنا التعاسة كما لم تمنحنا أي شعور بالسعادة وان فعلت فهو شعور مؤقت باهت لا يستمر كثيرا فقد فشلت بجدارة رفاهية التكنولوجيا ولم تنجح في ان ترفع عنا كأبة هذا العصر الذي فاق في كأبتة كافة العصور السابقة وكأن هناك علاقة عكسية ما بين التقدم والسعادة.
فما احوجنا هذه الأيام إلى ما يسمى بتجارة الخير مثلما فعل ذلك الرجل المتصدق بالمصافحة تلك التي لاقت قبولا لدى الشحاذ بل واستحسانا أكثر من المال والطعام فبالإجمال صار الرجل المتصدق بائع خير وتاجر للبر فهو التاجر الذي يبحث عن المرضى والمتعبين والمظلومين ليبيع لهم الخير وليعرض عليهم بضاعته ليس خوفا من انتهاء صلاحيتها فهي بضاعة دائمة المفعول ودائمة النضارة والخضرة،
ولا تتعجب فسوف يلتف حولك الزبائن لكي تشترى بضاعتك لتجدهم من الفقراء او الكادحين والمظلومين او حتى أحيانا من الأغنياء المهمشين و الرازحين تحت ثقل رأسمالية هذا العصر وسوف تتأكد وقتها ان ارباحك من هذه التجارة تفوق ما تبيعه او ما تقدمه فهكذا يسير الامر مع هذه السلعة انها سلعة غير مرئية ولكنها حية تدب فيها وبها الحياة فكلمة قد تنصف بها مظلومًا وابتسامة حانية تعطى الامل لمريض ومساعدة بسيطة تمنع اخر عن الانتحار وتعطية املا ان الحياة مازالت جميلة،
اشير عليك بل اوكد لك ان تحاول فلن تخسر شيئا بان تنضم إلى نقابة بائعي الخير وان لم تستطع على الأقل لا تكون سببا لشقاء غيرك وتعاسته،
انها تجارة الخير التي تصل أرباحها مباشرة إلى بنك السماء فيصير لك رصيدا هناك وأوكد لك ان بضاعتك لن تتلف ولن تذهب سدى ولا يوجد لها تاريخ صلاحية محدد انها ابدية وخالدة وسوف تجدها يوما في سماء وجنة الخلد وهناك سوف تتعرف عليها وتتذكرها وربما تنعم بها مجددا ومعك صديقك الشحاذ او جارك المظلوم.