هكتور فهمي: الهجوم على الغريب نجاح يسعدني.. ولن تكون الرواية الأخيرة
“إن إطلاق مفردة عامية على اللغة المصرية كلها هو تعبير لا يليق بلغتنا. حيث أن الفصحى والعامية هي مستويان لغويان في نفس اللغة وليسا لغتين منفصلتين. فالمستوى الفصيح من أي لغة هو المستخدم في الأوساط الثقافية والأكاديمية أو الأوساط الرسمية. أما العامية فهي تصلح للحياة اليومية وللشارع وهو في الغالب مستوى أقل بلاغة وجمال من الفصحى. وحتى لا يحدث الخلط، يجب التعامل مع اللغة المصرية على أنها لغة منفصلة تماما عن اللغة العربية، ويجب معرفة أن المصرية تمتلك المستوى الفصيح والعامي مثلها في ذلك مثل العربية وكل اللغات الأخرى، وأنها ليست مجرد مستوى سوقي منها. ولذلك تسمية لغتنا ب “اللغة العامية” فيه تقليل متعمد للغتنا المصرية وكأنها لغة تفتقر للبلاغة والجماليات اللغوية وهذا ما أرفضه جملة وتفصيلا وأثبتّ خطأه بترجماتي بالمستوى الفصيح من لغتي المصرية”.
هكذا بدأ هكتور حديثه معي.
لكن دعونا نسأل:
لماذا الهجوم والاعتراض من الأساس على ترجمته باللغة المصرية إذ نتفق جميعنا على حرية استخدام تعبير الحديث والتداول فيما بيننا؟
ولماذا أثارت ترجمة الغريب كل هذه الضجة ولم تحدث في الكتاب الأول “الأمير الصغير”.
نحن لسنا بصدد معركة حول تجديد الخطاب الديني أو اختلاف على استنساخ ماهية الوجود، إنها اللغة الأم، اللغة المصرية التي نعتز بها ولابد أن نعي حق الوعي في ماهيتها ونقف احتراما في معيتها.
وكان هذا أساس الحوار مع المترجم المبدع “هكتور فهمي”
وإليكم الحوار:
ما هو رأيك في هجوم أغلب أدباء الوسط الثقافي على هذا العمل دون قراءته؟
أراه تعالٍ على لغتنا الأم وانحيازا وما كان يصح من الطبقة التي من المفترض أنهم فئة المثقفين. وبالتالي عندما يخرج هؤلاء ويهاجمون هذه اللغة التي يستخدمونها يوميا فهم ينظرون نظرة دونية لأنفسهم لأن اللغة هي أساس الهوية ولا يجب احتقارهم لهويتهم المصرية واعتبار لغتنا لغة ركيكة. وهذا دليل على أن التحقير من المصرية تم على مدار سنوات كثيرة وبشكل متعمد حتى رسخ في الوعي الجمعي لدى بعض المصريين وتعاملوا معها على أنها لغة سوقية وأقل ما يمكن قوله أن هذا ادعاء سخيف.
ما الفارق من وجهة نظر هكتور بين اللغة المصرية وباقي اللغات بالدول العربية الأخرى؟
اللغة المصرية لغة سهلة ومفهومة ويحبها الكثيرون في كل الدول المجاورة وهذا لأسباب بسيطة جدا ألا وهي الثقافة المصرية انتشرت عن طريق الفن المصري من موسيقى وسينما وغيرها.
لا ننسى أننا صدرنا لغتنا للكثير من الدول المجاورة عن طريق فننا وثقافتنا وهذا ليس معناه أن لغتنا الأفضل فكل ينتمي للغته ويفضلها لكن نفوذنا الثقافي والفني كان الأعلى ولهذا أعتبر أن اللغة المصرية هي لغة مشتركة كالإنجليزية للتفاهم بين العديد من الشعوب العربية والأجنبية والكثيرون يتعلمونها الآن وكنت أدرس اللغة المصرية للكثير من الأجانب “وليست اللغة العربية بل المصرية ” ليتمكنوا من الحديث مع الناس في حياتهم اليومية في أي دولة من دول المنطقة. وكان منهم أعضاء في البرلمان الأوروبي ووزيرة إيطالية وصحافية بالبرلمان الأوروبي وغيرهم. ومع العلم أنا أتحدث خمس لغات لكن تظل لغتي الأم هي الأفضل للتعبير عن نفسي، مما جعلني أُدَرِّسُها دون غيرها وفي تجربتي هذه أحاول أن تصل ثقافة العالم للشعب المصري عن طريق ترجمة الروايات العالمية فهذا حقهم. كما أن من حقي أنا أن أترجم بلغتي المصرية الأم وأصدر مرة أخرى لغتنا وثقافتنا بطريقة أدبية عن طريق الترجمة فهو وسيط جديد أسعى أن أنجح فيه.
وماذا عن كتابك الأمير الصغير؟
كانت تجربتي الأولى وكانت الطبعة الأولى عن دار نشر “المطابع الأميرية” 2018 ولاقت إقبالا ونجاحا كبيرين في مصر وطبعت للمرة الثانية بعد إن نفدت نسخ الطبعة الأولى جميعها وأنا من وزعت نسخ هذا الكتاب بنفسي سواء في مكتبات مصر أو مكتبات أوروبية أو الشام أو شبه الجزيرة العربية أو شمال أفريقيا وستكون موجودة بمعرض الكتاب في دورته 53 ومن الرائع أن ردود الفعل كانت جميلة جدا وأسعدتني مما جعلهم يطلبون أعمالا أخرى لحبهم للغة المصرية لذا أعتبر هذه الترجمة وسيطا بيننا وباقي اللغات فمن الرائع أن لغتي المصرية تستطيع التعبير وقادرة أن تصدر ثقافتنا للعالم.
عن أي دار نشر طبع كتاب الغريب؟
الطبعة الثانية من كتاب الأمير الصغير وكتاب الغريب عن دار “هن” للنشر والتوزيع وهي دار نشر مصرية جميلة وتحمست كثيرا لترجمتي.
كتبت على صفحتك على الفيس بوك أن هذه الضجة حول كتاب الغريب سيرونه فيما بعد تاريخا.
نعم أردت أن أخبر الجميع أن هذه الضجة اليوم تاريخ الغد وعندما سيكتب التاريخ مؤكدا سيكتب باللغة المصرية.
وأود أن أقول أنني لست غاضبا أبدا مما يعترضون أو يهاجمون. على العكس تماما فأنا أعتبر هذا الهجوم نجاحا لي يؤكد صدق تجربتي. ولن تكون التجربة الأخيرة.
ما رأيك حول فكرة محاولة إحياء اللغة المصرية القديمة مادمت تتحدث عن انتمائك للغتك الأم؟
فكرة جميلة جدا لكنها في رأيي غير مجدية على أرض الواقع. فلغتي الأم هي اللغة التي نتحدث بها الآن، وهي بنت شرعية للغتنا القديمة. ومن باب أولى أن نحافظ عليها ونطورها بدلا من أن نفكر في إحياء حروف من جدراننا لا نستخدمها ولن نستطيع من خلالها تصدير أفكارنا وهويتنا وثقافاتنا للعالم. وهذا لا يعني بالمرة عدم الاهتمام بلغاتنا القديمة سواء القبطية أو المصرية القديمة، بالعكس، بل يجب معرفتهما وتعميم تدريسهما في المدارس، لأنهم الأصل. وفصلنا عنهم حدث على مدار قرون طويلة وكان متعمد حتى ننسى حضارتنا. لكن هذا لا يعني أن نحاول أن نتحدث بهما في الشارع.
ما الفرق بين الهجوم على ترجمة عطيل لمصطفى صفوان وبين الهجوم على رواية الغريب؟
قبل الحديث عن الهجوم أود أن أعلن احترامي وتقدري للمرحوم الدكتور مصطفى صفوان فترجمته لشكسبير باللغة المصرية هي خطوة جريئة تستحق التحية والاحترام. لكن للأسف لم أستطع الحصول على هذه الترجمة وبالتالي لم يقدر لي قراءتها كاملة، لكن اطلعت على أجزاء منها. وما استطيع قوله من خلال هذه الأجزاء أن الدكتور مصطفى وقع في فخ العامية. فقد استخدم المستوى العامي في الكتابة وهو ما لم يتناسب مع مستوى النص الأصلي. وهو ما حاولت أن أتجنبه في ترجماتي. فاخترت مستوى أدبي من اللغة يتناسب مع النص الأصلي الذي أقوم بنقله للمصريين.
…………………..
وبعد أن انتهى الحوار ألا نسأل أنفسنا لماذا كل هذا الذعر من هذه التجربة؟ علما بأن بيننا شعراء من أبدع الشعراء يكتبون شعر العامية باللغة المصرية كما أسماها هكتور.
من منا لم يقرأ لنجم ومن منا لم يستمتع بجاهين وحداد وغيرهم قديما وحديثا بيننا، عندما قورن شعر العامية المصرية بالفصحى العربية ذات مرة قال نجيب سرور :
الشعر مش بس شعر
لو كان مقفى وفصيح
الشعر لو هز قلبي وقلبك
شعر بصحيح
وهل صرح للشعر دون الرواية؟ أم أننا نستبق دائما الأحداث دون دخول التجربة وقراءة هذا المجهود الذي سهر ليال عليه لترجمته؟.
أوليست هذه اللغة حقا لغتنا الأم التي تصل للجميع؟ أم أننا صرنا متحجري الفكر والرأي بلا معاناة في محاولة الوقوف على حقيقة لابد أن نتعلم كيفية تقديرها؟
وأخيرا أتمنى النجاح والتوفيق والتألق لهكتور فهمي ولهذه الترجمة والتجربة التي تستحق القراءة.