نبوءة "رايس" الخبيثة.. والحصاد المر !!
اعتبارا من بدايات القرن الواحد العشرين ، وبعيدا عن نظرية المؤامرة ،واستناد لاستراتيجات المصالح المتعددة فقد بدأ العالم الأول عصرا جديدا من الترتيبات المستقبلبة وتدشين ملامح النظام العالمي الجديد ، لتأمين مكانته ومنجزاته ،وحفاظا علي المسافات الحضارية التي تضمن هيمنته إقتصاديا وعسكريا وضمان الأسواق المتعطشة لتصربف منتجاته وتجفيف منابع ثرواث دول المواد الخام المتأخرة وإستمرار التفوق في كافة المجالات ووأد طموحات الدول الساعية للنمو.
وفي سبيل تلك الإستراتيجيات والمخططات الخبيثة، استتر في بعض الأحيان باتفاقيات وشعارات حقوق الإنسان والتبادل التجاري الحر وتدشين الأهداف التنموية للألفية الجديدة تحت رعاية الامم المتحدة ، ثم بدأ مرحلة خلخلة الإستقرار وتغيير الأنظمة وغرس فتنة "الثورة" والتغيير تحت ستار دعم التحول والإنتقال الديمقراطي والإستجابة لرغبات الشعوب.
والناظر المتفحص في الحصاد المر يري المشهد بكل حقائقه المؤلمة في عالم اليوم الذي يعج بالتوتر والصراعات ومشكلات تفشي الأوبئة والتغيرات المناخية وآثارها المدمرة ، فهي في الأساس جرائم من صنع وحياكة الكبار ويحصد تداعياتها السلبية الدول المغلوبة علي أمرها، التواقة للخروج من الفقر والضعف والتأخر.
وضمانا لتنفيذ مبتغياتها وتحقيق أهدافها سعت دول المنافع لأضعاف دور الدولة الوطنية وتهميش فاعلية المنظمات الإقليمية، وإضعاف سلطة إتخاذ قرارات فاعلة.
إنها صور ومشاهد نظرية الفوضى الخلافة
( Creative Chaos)
،وهو مصطلح سياسي إستراتيجي يقصد به الوصول لحالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة بهدف إحداث تغيير ما ، وتنفذه عناصر متنوعة دون الكشف عن هويتهم ، أو صناعة حاله إنسانية مستقرة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أجل مساعده الآخرين في الاعتماد علي أنفسهم.
ومن القراءة الأولية للمفهوم والمصطلح والهدف، تري كيف يدس "السم في العسل" ، أهداف معلنة نبيلة ومقاصد خفية ماكرة!!.
وبالعودة للوراء قليلا وتحديدا في مطلع عام 2005 ، حين أدلت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" بحديث صحفي لجريدة واشنطن بوست الأميركية، أعلنت حينها عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدأ بتشكيل مايُعرف ب "الشرق الأوسط الجديد "، عبر نشر عبر إستراتيجية أو نظرية "الفوضى الخلاقة ".
وعلى الرغم من وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي "دان براون" ، إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس"جورج دبليو بوش" ،حيث انتشرت بعض فرق صناعة الموت والأزمات، وبدأ التفكير جديا في إزكاء الصراعات العرقية والطائفية ،وتوظيف ودعم العديد من المنظمات الإرهابية .
وعلي مستوي الشرق الأوسط تم إستغلال طموحات بعض الطامحين للسلطة والنفوذ وإستثمار ورقة الإسلام السياسي بحنكة وطرق ملتوية، وغرس التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها لإحداث خلخلة،وبث الفوضي، وهذا ما كشفت عنه وثائق أمريكية ،هدد بالكشف عنها ترامب خلال بث دعايته المضاده للرئيس أوباما ، كما هدد بإماطة اللثام عن دعمه الفيدرالي واللوجستي والإستخباراتي لتنظيم داعش وبعض التنظيمات الإرهابية لتنفيذ مخطط الفوضي وتدشين ملامح الشرق الأوسط الجديد.
وبعدها توقع أوباما حدوث أزمات طاحنة وإنتشار لوباء عالمي ، مؤكدا ضرورة توظيف التداعيات لتحقيق المزيد من المزايا والأرباح الإستثمارات سياسيا وإقتصاديا !.
ثم بدأت مرحلة تحريك الثورات العربية تحت ستار ربيع الحرية والتغيير وكان الحصاد العاجل خريفا طويلا مظلما وخرابا داهما لمن لم يفطنوا لأصول اللعبة السياسية الخادعة وعبثية فكرة التحول الديمقراطي، وغرس فتنة المال والسلطة!!.
واعتقد أن نماذج الفوضي الخلاقة وحصادها المؤلم يراه الناس في معظم أرجاء المعمورة شرقا وغربا وبصورة أشد في بلاد البترول والثروات، وكانت النتيجة، بلاد ممزقة وأنظمة ضعيفة وجيوش منقسمة ومنافسات لا تنتهي علي كراسي السلطة واختلط الحابل بالنابل، وشوهت الفكرة الإسلامية علي أيدي دعاة الضلال والإسلام السياسي،علاوة علي
التراجع الإقتصادي والإجتماعي وانتشار الفقر والبطالة وتوقف مشروعات التنمية.
فقط تأمل بتريث التجارب الموجعة لدول الشرق الأوسط ومن حولها مع الثورة والإنتقال الديمقراطي في سوريا و العراق واليمن وليبيا وتونس والسودان وأخيراً لبنان وأفغانستان و أثيوبيا
ولاتزال القائمة مفتوحة في انتظار المزيد من الملتحقين بركب الدمار والفوضي والتأخر، ومن المؤمنين بفكرة الديمقراطية الغربية وبنبوءة "رايس" الوقحة.
وأتصور أنه وبعد مرور ما يزيد عن 15عاما ، تحقق نسب كبيرة من المستهدف لنظرية الفوضي الخلاقة، ولا عزاء للشعوب الواهمة بالديمقراطية الحمقاء !.