00:44 | 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير
شوقي محمد

ماريانا برسوم تكتب "لحظات الأها "The moments of Aha

الأحد 19-09-2021 09:12 م
ماريانا برسوم تكتب "لحظات الأها "The moments of Aha
متابعات


                                  آدم ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، وبالرغم من رضائه عن حاله فإنه كان يشعر بالاحتياج المالي ودائمًا ما يتخيل أو يعتقد أن الحل الوحيد في الخروج من حلقة الفقر المفرغة هو العلم فبالعلم يستطيع المرء الوصول لجميع أحلامه. 
ظل يذاكر ليلَ نهارَ وبالرغم من أنه الطفل الوحيد لوالديه ويحظى بكل انتباههم، فإنه كان كالحاضر الغائب؛ إذ يوجد بجسده فقط دون مشاعره وعقله لأن كل تركيزه على تحصيل العلم والوصول إلى حلمه.  يعمل والد آدم كاتبًا في دار القضاء العالي وسببت هذه الوظيفة على الرغم من بساطتها مشاكل نفسية كثيرة لآدم حيث إنه لا يستطع مواجهة المجتمع ودائمًا يشعر بصغر نفسه في داخله.
نجح آدم في الثانوية العامة وحصل على مجموع عال جعله يحصل على منحة دراسية في إنجلترا 
 وكان فرحًا للغاية أنه حصل على هذه المنحة التي ستأهله للحصول على فرصة عمل أفضل وبالتالي زيادة في الدخل.
سافر آدم إلى إنجلترا وقضى أربع سنوات، كان تركيزه الأساسي على المذاكرة دون تكوين أي صداقات وكان كلما يستقبل مكالمة من والدته تطمئن فيها على صحته كانت تجده مشغول البال كثيرًا بالمذاكرة ولا يحكي سوى عنها دون وجود أي عنصر آخر في حياته. 
خلال المرحلة الدراسية تعرف آدم على الشعب الإنجليزي ورقي هذه الدولة في جميع المجالات وكان يحب مجال الفاشون ومحلات الملابس عمومًا. كان لديه زميلة في الجامعة اسمها إيميلي كانت قريبة منه جدًّا يحضر معها المحاضرات ويصطحبها وقت الراحة للكافتيريا للأكل معًا. لم تنشأ علاقة حب بينهما بل كانت صداقة حميمية مثلها مثل الأخوة. كانت إيميلي شقراء، شعرها أصفر، عياناها زرقاوان. 
إيميلي فتاه من أسرة بريطانية ميسورة الحال حيث كانت نافذة للثقافة البريطانية في حياة آدم. كان يعتبرها آدم مثل الأخت الكبرى بالرغم من أن لهم نفس العمر. إيميلي حكيمة وناضجة بالرغم من صغر سنها، ولديها قدر من الوعي في إدراك الأمور وتعقيدات الحياة. وبمجرد رؤية وسماع آدم وهو يتحدث عن نفسه وعن حياته أدركت أن آدم يعاني عقدًا نفسية بسبب الأوضاع المادية لأسرته. كانت دائمًا تصغي له بكل مشاعرها وعقلها وتعطيه كل الاهتمام لتكون بمنزلة تعويض من قسوة الحياة. إنها شخص عابر ولا يوجد عواطف بينهما بل إن مجرد شخص عابر في هذه الدنيا قادر على أن يحيي مشاعر كانت مدفونة في قلوبنا ويشفينا من أفكار مغلوطة سيطرت علينا دون وعي. 
ظلت إيميلي بجانب آدم في السنوات الأربع للمرحلة الجامعية وكان آدم يثق فيها وفي رأيها فكانت دائمًا تستضيفه مرة كل شهر على الغداء في منزلها للتحدث إلى والدها ووالدتها لكيلا يشعر بالغربة في بلد آخر غير بلده. عبرت إيميلي بكل تصرفاتها عن نبل الشعب البريطاني ورقيه. وأدركت أن آدم ليس لديه الرغبة في إقامة صداقات مع طلبة آخرين لسبب لم تكن تعرفه. فلقد كانت تتابعه عن بعد ويومًا بعد يوم تكتشف أنه غير اجتماعي على الإطلاق بالرغم من أن تواصله معها كان فوق الممتاز. 
استشفت إيميلي من آدم أن لديه معاناة في منزله ومع أسرته، وهذ المعاناة هي التي شجعت آدم على التفوق في الدراسة أملًا في تغيير وضعه الحالي المرهق بوضع ومستقبل براق. 
علمت إيميلي من آدم أنه يهتم جدا بمشاهدة ومتابعة برنامج تليفزيوني للمذيعة الأمريكية المشهورة «أوبرا وينفري» ويسعد جدا عندما يسمعها تتحدث عن لحظات الأها the moments of Aha وهي لحظات الأدراك بكامل النضج. 
واظب آدم خلال الجامعة على متابعة هذا البرنامج فكان ينبهر جدًّا عندما كانت تحادث وتحاور الكتاب العظماء الذين تستضيفهم لديها في البرنامج. وكان هو أيضًا يحلم بلقاء أحد الكتاب المصريين الذي يتابع كتاباتهم. هل سيمر عقله بلحظات الأها "the moments of Aha" وهي اللحظة التي تنفتح فيها الأعين والقلب وتفك الشفرات المحفورة على العقل لكي يتحرر من الغموض ويحصل الأنسان على فرصه لاكتشاف الكنز؛ وهو كنز الوعي الذي يجعله حرًّا في داخله ويعطي لكل شيء في حياته المعني والقيمة الحقيقيين.
ظلت إيميلي تلفت نظر آدم إلى لحظات الأها وتسأله هل سيكتب له المرور بهذه اللحظات فكانت إيميلي ترى تفاصيل عقل آدم وأفكاره وسلوكياته أكثر منه بكثير. حاولت أن تعلمه بأنه غير اجتماعي في الجامعة وليس لديه أي أصدقاء سوى إيميلي وهذا ليس صحيًّا بأي حال.  حاولت أيضًّا تشجيعه للانضمام إلى الأنشطة الطلابية ولكنه كان دائمًا يرفض بحجة أن لديه الكثير من المذاكرة.
علمت إيميلي أن آدم يهرب من شيء في داخله لا يريد مواجهته ولكنها أحست بالشفقة على آدم بل أيضًا بالرغبة في مساعدته لأنها تشعر بالمسئولية تجاهه. حاولت إبلاغه أن هناك شيئًا خطأ في حياته وأن عليه الوقوف للحظة مع ذاته لكي يتصالح مع واقعه وأيضًا لكي يتمتع بشبابه وحب من حوله فهو قد منع دخول جميع مصادر البهجة في حياته بحجة المذاكرة ولكن الحقيقة ليست كذلك. الحقيقة هو أن المذاكرة هي حجة يهرب بها من مواجهة أفكاره المغلوطة حول الفقر وقلة الحيلة، فبالفعل العلم من شأنه تغيير الواقع وبناء فرص مستقبلية أكثر ولكن مع الناس والمجتمع وليس بمعزل عنهم. 

كان آدم يسمع لأيميلي ولكل نصائحها ولكنه لم يتغير على الأطلاق لأن القدر لم يشأ بعد أن تتفتح عينا آدم. 
نجح آدم في السنة الرابعة وخلال حفل التخرج لم تفر دمعة واحدة من عينيه لأنه كان منغلقًا على ذاته جدا ولم يبنِ أيَّ صداقات ولم يجد لديه أي صورة أو ذكرى لوجوده مع زملائه. فكانوا يذكرون عنه  أنه ليس اجتماعيًا ولا يحب الاختلاط.
كان جميع الطلبة يلتقطون الصور معًا دونه ولكنه لم يدرك ذلك إلا عندما انتهت الفترة الجامعية ولم يجد لديه أي صورة تذكارية لفترة الجامعة سوى صوره مع إيميلي. كان آدم يعمل خلال الدراسة ويقتصد من راتبه لكي يكافئ نفسه بعد التخرج ويركب القطار الدولي ويتمتع برحلة داخل أوروبا. 
في هذه الفترة اشترى آدم كتابًا لأحد المبدعين في علم النفس بعنوان «سكن» للكاتبة ريهام حلمي. 
فأعد آدم شنطة السفر ليبدأ الرحلة بواسطة القطار الدولي وكان سعيدًا للغاية وكان يجلس بجوار النافذة يرى جمال الطبيعة والقطار يجري سريعًا بين الدول على أمل الوصول إلى المحطة الأخيرة....... وبم أنه مشغوف بالقراءة حمل كتاب «سكن» في يده.
ونظرًا لأن آدم يهوى المناظر الطبيعية لأنها تشعره بالسكينة والطمأنينة نام وهو في القطار وحلم حلمًا غريبًا. حلم آدم أنه كان يلعب مع أولاد الجيران ويحيطه الأصدقاء من كل ناحية. فقد كان يذهب إلى مركز الشباب لممارسة الفوليبول وهي لعبة جماعية وبالرغم من وجود عدد كبير من الشباب وله إلا أنه كان ينفرد بذاته دون أن يدري وذلك فور انتهاء التمرين. وبالرغم من أنه غير اجتماعي فإنه محبوب للغاية فلديه تناقضات كثيرة في شخصيته فهو الحاضر الغائب. وخلال الحلم ظهر له صديقه أحمد وهو صديق منذ أيام المرحلة الثانوية وسأله: أحمد لماذا أنت دائمًا منعزل يا آدم؟ رد آدم : كيف أكون منعزلا وأنا حولي الكثير من الأصحاب وهرب آدم من مواجهة نفسه ومن محاولة الإجابة الحقيقية للسؤال خلال الحلم واختفى أحمد في الحلم وهو يردد عليه(يا آدم) عليك أن تتابع كيف يفكر عقلك ولا تترك ذاتك للوحدة  وظهرت إيميلي صديقة الجامعة وهي تقول له أيضًا نفس الكلمات: لا تترك نفسك للوحدة يا آدم. 
ثم أفاق آدم من الحلم وكلمة أحمد تتردد في ذهنه وهو يقول عليك يا آدم أن تتابع كيف يفكر عقلك فأنت محبوس في أفكارك فتحرر. ثم وجد صوتًا رقيقًا بجانبه يقول له حمدًا لله على سلامتك فلقد نمت كثيرًا وأنا جالسة بمفردي فأنا اخترت القطار كوسيلة لكي أجلس بجانب شخص وأتحدث إليه لبعد المسافة. 
عرفها آدم بنفسه وكان كتاب سكن ما زال بين يديه ثم قالت هي: أنا ريهام حلمي. فوجئ آدم وقال لها أأنت صاحبة القلم التي كتبت «سكن»؟ ردت: نعم أنا، هل أحببت الكتاب لهذا الحد. رد آدم إنني أهوى القراءة وخصوًصا للكتاب الذين يبحرون في النفس البشرية مثلك فكلما قرأت جزءًا منه أدركت أن في داخلي المزيد الذي لم أكتشفه بعد. قالت ريهام وما هو الجزء الذي تشعر أنك وجدت نفسك في سطوره. احك لي. رد آدم وقال لها الجزء الخاص بالعابرين في حياتنا وبدأ يقص عليها أن شيئًا غريبًا حدث خلال الحلم وهو نائم فلقد وصلته رسالة من صديقين وهما أحمد وإيميلي يطلبون منه ألا يترك ذاته للوحدة وأن يتابع كيف يفكر عقله. كان آدم يتحدث ووجهه مكفهر حيث شعر ببوادر لحظات الأها أي بداية قشعريرة الوعي التي تهز الإنسان في أعماقه فور حدوثها. ثم ردت الكاتبة الموهوبة أنت تعلم كيف أن هؤلاء العابرين في حياتنا قادرون على تغييرها رأسًا على عقب؟ نظر إليها وقال: لا، لا أعرف. ردت الكاتبة نحن نتأثر بالعابرين في حياتنا إذا كان حبهم لنا حبًا صادقًا وما بيننا مودة تدوم مدى الأيام وبدأت الكاتبة ريهام في قص جزء العابرين من كتابها سكن. وفيما كان آدم يستمع لها كانت مشاهد ونصائح إيميلي تتصارع في عقله وتردد دائمًا أن الحياة بدون ناس ليس لها طعم ولا معني. وخلال الحوار انهار آدم في البكاء وانتابته حالة شديدة من الحزن والمفاجأة بما كان يريد دائماً إخفائه. فكان لكلام الكاتبة أثر السحر في فك شفرة عقدة آدم التي آتى بها هروبًا من مصر وهي عقدة الفقر والهروب من الواقع. ظلت الأستاذة ريهام تتحادث مع آدم لأنها علمت أنه يمر بلحظات الأها فجأة وبدون استعداد وطلبت منه أن يهدأ لأن ما يمر به الآن هو لحظة تحول في حياته وعليه أن يستوعبها ويتمتع بها جيدًا. وبعد أن انتهت الكاتبة من كلامها.. ظلوا صامتين ولم يفتح أي منهم أي موضوع آخر إلى أن أتت المحطة الخاصة بها ثم ودعته قائلة تابع كيف يفكر عقلك فإنها لحظات الأها. 
مضى شهران منذ ذلك الحين وخلال هذه المدة كان آدم يعيش داخل عواصف شديدة ضربت سكونه الداخلي وخلالها عرف كيف يفكر عقله ووجد نفسه يحضر شنطة السفر ليعود  إلى أهله ووطنه. وعندما رأى والده مضى شريط حياته أمامه بسرعة القطار الذي ركبه في أوروبا وعلم وأدرك أن مهنة والده كان تستحق كل احترام وتقدير ولا تساوي حجم المعاناة التي عاشها آدم طوال هذه الأعوام.

بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
د. الخشت يتفقد أول اختبارات الميد تيرم بجامعة القاهرة الدولية
بقلم ساره أيوب
ساره أيوب
اسيا تورتشييفا تشهد معرض من اول السطر
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
نائب المحافظ: الدفع ب ١٠ سيارات لشفط تراكمات المياه الناتجة عن كسر ماسورة مياه بمحيط سور مجرى العيون
بقلم سمير شحاته
سمير شحاته
الأرصاد تحذر من طقس الأيام القادمة
بقلم عبد الناصر عبد الله وحماده يوسف
 عبد الناصر عبد الله وحماده يوسف
"أهمية العمل التطوعى وتنمية البيئة" حملة توعية أطلقتها جامعة مدينة السادات لطالبات المدن الجامعية
بقلم شوقى الشرقاوى
شوقى الشرقاوى
فوز عضو هيئة تدريس بقسم جراحة المخ والأعصاب بجامعة الأزهر بالمركز الأول في الإنتاج العلمي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
ميدو: الأهلي تعاقد مع مدرب "معلم" وهذا دور حسام غالي
بقلم احمد سامي
احمد سامي
الزمالك يتوصل لاتفاق نهائي مع محمود جاد.. وموافقة إنبي تحسم الصفقة
بقلم احمد سامي
احمد سامي
فيريرا يعلن قائمه الزمالك لمباراة الهلال السعودي
بقلم سعيد سعدة
سعيد سعدة
"التعليم" تشارك في فعاليات ملتقى شباب العاصمة الإدارية الجديدة غدًا الإثنين
المزيد من مقالات الرأى

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر