شياطين الإنس لا تصفد في رمضان !!
ولله في أيام دهره لنفحات مباركة يفوح عطرها بالموده والتراحم والبهجة وكافة صنوف العمل الصالح..
ومن رحمة الله وعفوه وكرمه وترفقه بعباده المؤمنين والناس علي حد سواء أن منحهم فرصا للتوبة والنجاة من حبائل الهوي والشيطان والتخلص من أمراض القناعات وفتن الدنيا وشهواتها، لكن هذا الأمر مرهون بصدق النوايا ،ودقة الهدف والمقصد وصفاء السريرة والرغبة الحقيقية في التصالح مع النفس وبارئها..
ومن عظيم كرمه أن صفد لهم الشياطين في شهر رمضان المبارك ومنحهم هدايا ربانية في العشر الأواخر ،لكن شياطين الإنس لا تصفد فلها الخيار بين فجورها وتقواها، مصداقا لإرادة الخالق عز وجل، وطبيعة الحال والمآل ،فالإنسان في كبد وابتلاء دائم قال تعالى: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون).
ولا ريب أن طاقات وكفاءات الأفراد والمجتمعات تتكشف مع التحديات والمحن ، ولن تجد مجتمعا محصنا من كافة صور الابتلاءات ،سواء كوارث طبيعية،أو من صنع البشر أو من الأمراض والأسقام والأزمات المزمنة والمستجدة.
وسنة الله في خلقه الابتلاء بالخير والشر الذي ينتج عنه حركة الفرد في استثمار طاقاته وصنع إرادة العمل للخروج من الأزمات والتحصن من التداعيات.
وفي زمن الجاهلية السحيقة اعتاد الناس علي تحريم القتال في الأشهر ،ربما هدنة للصلح وتضميد الجراح المعنوية والمادية ،ربما تضع الحرب أوزارها، لكن إنسان العصر المتمرد علي إنسانيته وفطرته وقيمه يأبي هذه العطايا والمنح الربانية بصلفه وتكبره وتجبره ،ويرفض فرص المراجعة وترتيب الأوراق ،في مقابل حجز مقعد في دنيا السلطة والنفعية والمصالح الزائفة !.
وفي كل عام وفي شهر رمضان المبارك نحن علي موعد مع أوغاد الصهاينة حيث اعتادوا التضييق علي أهل فلسطين والمصلين بالأقصي وساحة القدس المبارك لإفساد فرحة وبهجة الشهر الفضيل ،وهدأت المواجهات قليلا واشتعلت فتنة "السودان" الصادمة،دون أدني قراءة للمشهد الدولي المتشابك،والدروس المؤلمة لحرب أوكرانيا، أو للضغوط الاقتصادية المتزايدة، ولكن يبدو أن الحكمة والعقل في أجازة طويلة، وحتي إشعار آخر!.
ويبدو أن فصول الخريف المؤلم لم تبرح بعد بلاد العرب ،فقد صدم المسلمون باشتعال الفتنة مع محاولات خبيثة لخلط الأوراق وجر مصرنا المحروسة لهذا الصراع الأحمق ،ولا عجب فالموجة هادرة ومغرضة والفاعل معلوم لدي الجميع!.
إنها الأيادي الخبيثة والفوضى الخلاقة التي حركت فتن الليل المظلم وأشعلت الصراعات السياسية والخلافات الطائفية والأيديولوجية بين أبناء الوطن الواحد تحت شعار دعم حقوق الإنسان،ووهم الحرية والانتقال الديمقراطية علي حساب قتل النفس التي حرم الله،ومطية التطلع لكراسي السلطة وفرض النفوذ !.
إنها الأيادي الآثمة التي تسعي لخلط الأوراق ودق طبول حرب تأكل الأخضر واليابس
وتخريب ما بقي من مقدرات لدول العرب،كما فعلت من قبل في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان !.
لقد أوجع النفوس وأدمي القلوب المكلومة مشاهد الدمار وترويع الآمنين وأصوات المدافع والدبابات التي تضرب بعشوائية في كل الاتجاهات ، وسقوط المئات من الأبرياء والضحايا ،ولاحياة لمن تنادي!
لقد حذرنا المولي عز وجل ،أنه من انتهك حرمة بريئا مسالما فكأنما انتهك حرمة كل البشر ،وصدق الله العظيم: ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
وفي هذه الأجواء الإيمانية التي تزين الأيام الطيبة المباركة لشهر المغفرة والرحمة والعتق من النار،فمن الحكمة الاستماع لصوت العقل ،وأمسي لزاما أن تتحرك الجامعة العربية قبل فوات الآوان.
وأتصور أنه كفي ما مكان ،وآن الأوان أن تجتمع القلوب علي كلمة سواء ،وأن تتوحد جهود العرب لإدارك حجم المخاطر والتحديات،والتحرك الفعال لتجاوز الخلافات وإجراء المصالحات ،وعقد شراكات تنموية سواء بين أبناء البلد الواحد أو بين مختلف أرجاء دول الوطن العربي الكبير.
وستظل مصر بسياستها الدولية المتوازنة، وبدعواتها للتعقل والحوار أيقونة الوحدة العربية الشاملة،ورمانة الميزان.. وإنا لمتطلعون!
