إمارة أفغانستان الإسلامية.. وترتيبات واشنطن الجديدة !!

.   بقلم.. د.خالد محسن 

وسط ترقب مشوب بالحذر يتطلع عالم اليوم لما ستسفر عنه مخاض الأيام القادمة والترتيبات الإستراتيجية بعد أن تغير المشهد السياسي في دنيا الواقع سريعا والجميع ينتظرون كشف حقيقة النوايا الأمريكية، باعتبارها الراعي الرسمي لمسرحية عودة إمارة أفغانستان الإسلامية، التي أعلنت بالأمس القريب تحرير بانشير وسقوط آخر معاقل الحكم القديم.

وبدأت طالبان عاجلا حرب المساومات بعدأن عرقلت بالأمس القريب مغادرة 6 طائرات حربية أمريكية، كانت تستعد لنقل مايزيد عن ألف أمريكي. 

 كما أمسي الناس في انتظار ما ستفعله في كيفية إدارة الدولة ونمط وشكل الحكم وقضايا عمل وتعليم المرأة وعلاقاتها مع دول الجوار وغيرها .

ولكن مع تصاعد وتيرة الأحداث والمتغيرات في الأزمة الأفغانية وعودة طالبان إلي المشهد السياسي بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها.. هل يتصور عاقل أن تسمح واشنطن بنجاح تجربة أي حكم إسلامي سواء انتهج الإعتدال والتعايش السلمي أو كان أصوليا انتهج العنف والجهاد المسلح للوصول للحكم بشعارات ومنطلقات إسلامية ؟!
أو أن تدعم واشنطن مجرد فكرة في ذهن سياسي أوعالم أوفيلسوف له مرجعية إسلامية ربما يوظف دلائل العقل والنقل وحقائق التاريخ لتصور دولة حضارية إسلامية راشدة كما كانت الخلافة في عصورها الأولي؟!

اعتقد أن ثوابت الغرب لن تتغير بين عشية وضحاها ،فماكينة الفكر والفلسفة الغربية تؤمن بمبدأ صدام الحضارات وتفوق كل ماهو غربي ومحاربة الجذور والأصول التراثية العريقة للحضارة والفكر الإسلامي، وتدفع ذيولها من العلمانيين لتشويه الماضي وقبره تحت ستار التجديد والتحديث ووهم التنوير والعولمة.

وهل يتصور عاقل أن تصبح واشنطن بين عشية وضحاها حامي حمي حقوق المسلمين ،وحاضنة الفكر الإسلامي الراشد أو أن يأتي يوم تعلن فيه الخلافة الإسلامية الجديدة بمواصفات عصرية من بلاد العم سام !

أتصور أن واشنطن تدفع بالفكرة الإسلامية لمزيد من التشويه والضياع وفقدان الهوية ، ولاتزال الذاكرة محملة بمآسي وذكريات المجاهدين الأفغان حين انتهوا من حرب الشيوعيةو الإتحاد السوفيتي عام 1996، وحققوا نصرا مؤزرا ثم انقلبوا علي أنفسهم ، وبدأوا في التناحر والإقتتال فيما بينهم والتصارع وتقسيم الغنائم و نيل الكراسي والأموال ومقاعد الحكم !.

وأعتقد أن هناك ترتيبات إستراتيجية وأهدافا لها أبعاد سياسية وثقافية وإقتصادية، وتصورات مستقبلية، وأدوارا جديدة لمجاهدي إمارة طالبان الناشئة، تمهد له واشنطن وحلفاؤها، تتعلق ربما بالنفوذ الصيني المتصاعد وشطحات إيران وطموحات باكستان النووية وتطلعات روسيا في العودة لتبوء مكانتها القديمة في النظام العالمي الجديد، وغيرها مما يدور في ذهن الثعلب العجوز (بايدن)  وما يخطط له ذيوله.

 كما تحاول الولايات المتحدة جاهدة تبييض وجه طالبان،وتمهد لها الطريق وتفسح لها الأفق للإندماج تدريجيا في المجتمع الدولي، وتصلح ماعلق بالأذهان من صور ذهنية ضبابية، ارتبطت بالعنف والتشدد وسفك الدماء ، والكفاح المسلح والتنكيل بالمعارضين وإحتقار وتحجيم دور المراة في المجتمع.

ولا يخفي علي أحد أن أمريكا وحلف الناتو أنفقت ما يزيد عن تريليون دولار لصنع نظام عميل لها ومحاربة القوي الجهادية الإسلامية الصاعدة ، التي تسببت في إنهيار الإتحاد السوفيتي وإستنزاف مقدراته، فهل تفكر في أن تعيد الكرة من جديد..ومن الضحية ومن المستهدف من غرس دولة سنية ذات خلفية أصولية متشددة علي حدود أكبر دولة شيعية في العالم وعلي مقربة من روسيا والصين !!

 إن دراما ووهم الخلافة الإسلامية الأمريكية المعاصرة أصبحت فصولا مؤلمة  ومتكررة في جبين الأمة ..ومن نافلة القول أن دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة لا تعرف إلا لغة المصالح وأنها لا تنفق مليما واحدا هباء منثورا بلا هدف ، وهذا ما حدث في المشهد السياسي الأفغاني متلاحق الأحداث ، وكأن هناك فريق عمل كتب النص بحبكة درامية متقنه ووزع الأدوار الرئيسة والمساعدة، ثم أخرج العمل بحنكة وبتصوير مبدع للمشاهد، وينتظر عرضه قريبا علي مسارح الأمة الإسلامية التي أكتفت بالجلوس في مقاعد المشاهدين ،وتحمل تكلفة الإنتاج كالعادة بالشحن المسبق واللاحق !