كتب الدكتور أسامه مدنى :صنع في مصر (أم الصين؟!)
الاثنين 08-01-2024
09:01 م
المخرجات بقدر المدخلات. استثمر شُحَّاً تَجْنِ هباءً، استثمر سَخَاً تَجْنِ جُوداً. فالأهداف المرجوة بقدر نوعية استثمارك على المدى القريب أو البعيد. في الآلة، الأمر يسير. مال وفير سريع يوفر لك آلةً حديثة فائقة تُشَيِّد بها مبنى شاهقاً باسقاً، أو تمهد بها طريقاً ممتداً فسيحاً، أو تصنع بها ملبساً ومأكلاً وحُلِيَّاً من كل شكل ولون وحجم. ولكن ماذا عن نوعية الإنسان الذي سيقطن المبنى ويستخدم الطريق ويرتدي الملبس ويتناول المأكل ويتزين بالحُلِيِّ؟ أي استثمار وضعنا فيه؟ قريب أم بعيد؟ وبأي كفاءة؟ هل متقنة حسب استراتيجية محكمة متكاملة لمؤسسات الدولة، أم عشوائية حسب الميول الذاتية لكل جهة على حدة؟
مَن يُرِد استثماراً يجلب مردوداً مادياً سريعاً وفيراً فليستثمر في الآلة. ولكنه سيكون كبَيْتٍ من ورق: ظاهره بنيان قائم وباطنه أساس واهن. ومَن يُرِد استثماراً يجلب مردوداً بشرياً بطيئاً أكيداً فليستثمر في الإنسان: سيكون كبَيْتٍ تحت التأسيس ظاهره بلا جدران ولكن باطنه أساس صلب متين. الأول بيت قائم لا أساس له، والثاني أساس دفين سيحمل أدواراً متينة. الأول بَيِّنٌ ظاهر خادع والثاني خَفِيٌّ مستتر ثابت. الاستثمار في الأول يؤسس لدولة مادية رخوة خالية من العقول تجلبها من كل صوب وحدب فصارت مقاليدها في يد غيرها، والاستثمار في الثاني يؤسس لدولة فتية متكاملة قوامها الإنسان يشيدها وينميها فصارت مقاليدها بين يديها.
نريد استثماراً في صناعة الإنسان الذي هو رأس مال الدولة الدائم الباقي. نريد ضخاً لبناء دعائمه التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. نريد تعليماً وصحة يكونان بمثابة استراتيجية أمن قومي وخط أحمر لاستثمار طويل الأمد يصنع العقول وينمي الابتكار والإبداع. فصناعة الإنسان هي مسئولية مؤسسات الدولة المنوط بها تحقيق مستوى الكفاءة والقدرة لمنسوبيها لتنمية البيت والنهوض به.
فهل الكيانات البشرية التي حقنتها الدولة في مجرى دم مؤسساتها على قدر طموحاتنا؟ هل قماشة الإنسان لدينا قادرة على المنافسة والفوز في سباق عالمي محموم؟ أم أننا نعتني بالشكل دون الجوهر، بالظاهر دون الباطن وبالكلام دون الفعل، فصارت ثقافتنا شفاهية فضعف الاتقان، وشاعت اللامبالاة، والأنانية، والجشع، والطمع، وعدم الاكتراث؟ وهل ترتب على ذلك دعم المتحذلق اللزج حتى نجح وارتفع والتصدي للصامت المجتهد حتى فشل وانزوى؟
فلنعد إلي الخريطة مرة أخرى ونوجه البوصلة إلي وجهتها الصحيحة. فصناعة الإنسان جد لا هزل، مصير يترتب عليه إما الزوال أو الدوام.
الطريق الآن يتفرع أمامنا. فإلي أي وجهة نحن ذاهبون؟